إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 27 مايو 2011

تاريخ الوهابيه/1

لم تغير الوهابية النظام الاجتماعي في الجزيرة العربية مع ان فئة الوجهاء والاعيان في امارة الدرعية الشاسعة قد برزت من بين سواد لسكان وكان نشاطها الاستغلالي منظما بعض الشيء. ان استئثار الوجهاء الحاكمين بالثروات عن طريق النهب والجزية ومصادرة الاموال وفرض الضرائب واستلام بدلات الايجار قد اتسع ولكنه لم يكن يختلف من حيث الجوهر عن الممارسات السابقة والتي كانت شائعة في مجتمع بدو الجزيرة العربية.

النهب في الغزوات والغرامات الحربية.


كانت حملات الوهابيين تحت راية تجديد الدين تستهدف تحقيق مهمات دنيوية بحتة تتلخص في زيادة ثروات حكام الدرعية ووجهاء الجزيرة المرتبطين بها (وجهاء نجد بالدرجة الاولى وخصوصا ابناء آل سعود و محمد بن عبدالوهاب). ويدل ما كتبه مؤرخوا الجزيرة العربية والرحالة الاوربيون على ان الغزو ظل هو الطريق الوحيد والرئيسي لحصول الوجهاء والاعيان على الثروة. زكتب المؤرخ الوهابي ابن بشر يقول، بعد ان عدد الضرائب التي وردت الى الدرعية: "وما ينقل اليها من الاخماس والغنائم اضضعاف ذلك


ويعتقد بوركهارت كذلك ان الاخماس تحتل المرتبة الاولى بين عائدات حاكم الدرعية

كانت غزوات الوهابيين الاولى تنتهي بالاستيلاء على بضع عشرات الابل والاغنام ونهب الحقول او بساتين النخيل ، اما في سنوات اوج قوتهم فقد كانت غنائمهم تبلغ عشرات الآلاف من رؤوس الماشية والاغنام ونهب الحقول و بساتين النخيل ، اما في سنوات اوج قوتهم فقد كانت غنائمهم تبلغ عشرات الآلاف من رؤوس الماشية المنهوبة. في عام 1796 بعد دحر قوات شريف مكة وقع في ايدي الوهابيين 30 الفا من الابل و 200 الف من الاغنام والماعز

و يقول ابن يشر انه عندما تم في عام 1790-1791 دحر قبائل مطير وشمر حصل الوهابيون على "غنائم كثيرة من الابل والغنم والاثاث والامتعة". وسرعان ما تعرض سائر البدو لمثل هذا المصير. فقد كان الوهابيون يطاردونهم يومين او ثلاثة "ويأخذون منهم الاموال ويقتلون الرجال"


ان المصنفات التاريخية العربية غاصة بوقائع من هذا النوع.


وكما هو حال الغزوات البدوية كان النهب الوهابي يسفر عن تجريد القبائل المستضعفة ليس فقط من المنتوج الزائد، بل كذلك من قسم كبير من المنتوج الضروري ، وغالبا ما يحكم على السواد الاعظم من السكان المنهوبين بالموت جوعا.


ولم يقتصر النهب على البسطاء من ابناء القبائل او سكان المدن، فقد تعرض للنهب الوجهاء والاعيان ايضا. الا ان هؤلاء لا يندر ان يعوضوا خسائرهم على حساب بسطاء البدو او الفلاحين.


وكان الوهابيون المنتصرون يرأفون عادة بحال الوجهاء، ويفضلون اقامة علاقة طيبة معهم. وكان الوجهاء المغلوبون يفقدون استقلاليتهم السابقة، ولكنهم يصبحون جزءا من الطبقة الحاكمة في الدولة الوهابية-السعودية.


ويدل كبر حصة غنائم الحرب في مداخيل الدولة الوهابية على طابعها الحربي التوسعي. فقد تعرضت للنهب القبائل والمدن والواحات والمناطق غير المنضمة اليها او التي حاولت التخلص من سلطة امراء الدرعية.


وكانت الحروب والغزوات والنهب والتوسع المتواصل من اهم شروط وجود الدولى السعودية-الوهابية.


وكان مستوى تطور القوى المنتجة في الجزيرة العربية لايزال عاجزا عن تمكين الوجهاء والاعيان الوهابيين من الاستئثار بمنتوج عمل السكان بواسطة الانواع الاكثر تنظيما من الاستغلال بنفس المقادير التي يؤمنها النهب السافر.


وبغية الحفاظ على مداخيل الطبقة الحاكمة تعين على امارة الدرعية ان تتوسع بلا انقطاع وبالمزيد من النهب والقتل. وفي حالة توقف الوسع لن يتمكن الوجهاء الحضر ، وخصوصا وجهاء البدو، من استلام المداخيل التي تعودوا على استلامها من السكان الخاضعين لهم.


وفي تلك الحالة تنتفي دوافع توحيد الوجهاء والاعيان في اطار دولة موحدة، وفي ذلك يكمن التناقض الداخلي الرئيسي للدولة الوهابية الاولى التي كانت تحمل في احشائها منذ ظهورها جنين هلاكها وسقوطها.


وكتن المصدر تلآخر لاثراء الطبقة الحاكمة هو الغرامات ، وهي عبارة عن جزية نقدية او عينية تفرض على القبائل او الواحات الخاضعة للوهابيين الو المنضمة اليهم. وكانت الغرامات تفرض مرة واحدة، ولكن تسديدها قد يستمر عدة سنوات فيكتسب شكل الجزية او الضريبة المتواصلة.


ففي عام 1787-1788 فرضت على أهالي وحات الدواسر الذين اخضعهم الوهابيون غرامات بمبلغ الفي ريال كان يجب تسديد الف ريال منها فور

وبعد ان مني امير الاحساء عريعر بالهزيمة في هجومه على الوهابيين تهيأ تهيأ امير الدرعية وعلى رأسهم ابن عبدالوهاب للتنكيل بحلفائه الذين انتقلوا الى صف الحسائيين. وطلبت منه واحات الحمل وثادق ان يعفو عنها، فعفا عنها، ولكنه فرض عليها كعقوبة غرامات من الزرع والتمر
و في عام 1767-1768 انضم الى الوهابيين سكان الوشم وسدير و "بايعوا على دين الله ورسوله والسمع والطاعة". والتزموا بان يدفعوا الى امير الدرعية غرامات نقدية وعينية(
وعندما اخضع امير الدرعية سكان الحوطة والحريق واليمامة والسلمية وقسم من الخرج فرض عليهم جزية "يما شاء من النقود"

وفرض الوهابيون غرامات بشكل نقود واسلحة وافضل الخيول مع عدتها على قبائل البدو المجاورة لمكة


ان الاموال التي تنفق على بلاط امراء الدرعية واسرة محمد بن عبدالوهاب تشكل واحدا من ابواب الصرف الرئيسية. لقد تجمعت كملكية شخصية للسعوديين ثروات بشكل اراض في الواحات وماشية واحجار كريمة ومجوهرات واموال أخرى. وكتب ابن يشر يقول ثلث الضرائب المستحصلة في منطقة الاحساء ينفق على بلاط السعوديين واسرة محمد بن عبدالوهاب.


فالاموال الكثيرة تمكن ابناء الوجهاء من التزوج من اربع نساء على الاقل، وكان عائلة آل سعود كبيرة جدا، ويقول بوركهارت انه كان لدى سعود عدة زوجات و وصايف حبشيات


ان امراء الدرعية بعد ان انضووا تحت لواء الوهابية التي باركت سلطتهم صاروا يعيشون بقدر كبير من البذخ والفخفخة بالنسبة للجزيرة العربية. واشار كورانسيز الى "ان سعود ذاق طعم الترف وكان لابد من ان يتأثر به" ويضيف المؤرخ الفرنسي قائلا: ذلك هو طريق جميع الطوائف التي تبدأ بالبساطة والتقشف لتجتذب الجماهير وتنتهي بالترف والفخفخة


و تقرأ في "لمع الشهاب" عن سعود مايلي:" وكان تحته اربع نسوة بالعقد وست جوار من القرج ارسل بعض الناس خفية الى اطراف بلاد الروم فاشتروهن بقيمة كبيرة، وقيل ان كل واحدة اشتراها بثلاثة آلاف ريال او اكثر لانهن متناهيات في حسن الصورة وايضا له عشر وصايف حبشيات بعضهن اهداه له الشريف حمود ابو مسمار صاحب ابي عريش وتهامة اليمن وبعضهن اتوه به القواسم اهل رأس الخيمة من ما اكتسب من الغنائم وقد غير بنيان البيت الذي كان لابيه عبدالعزيز فوسع علرصته وبنى غرفا وخلوات وعين لكل امرأة موضعا خاصا هي وخدمها.


و اما لباس نساءه فكان اطيب لباس وغالبه من الحرير الهندي المصنوع بالذهب الاحمر وكذلك يلبس من بز الشام الحرير العال المطرز بالذهب.


و قد جملهن من الحلى شيئا عظيما من الذهب المرصع بالجواهر النفيسة والياقوت و... وكان يرسل الناس الى ملك فارس فيشترون له ذلك، وكان سعود يترف في المأكول كما يترف في الملبس. وكل ذلك بنزكية مجدد الدين الامام محمد بن عبدالوهاب


و كتب رايمون "ان سعود يحب ابداء كل مظاهر الفخفخة. وكل شيء في قصره يدل على العظمة والبذخ و لا يرفض اي شيء من اجل تزيين القصر. ويقال ان عباءة سعود بديعة الصنع للغاية وقد كلفته حينها ما لايقل عن 60 الف بيزة

و من المعروف ان سعود بن عبدالعزيز انفق اموالا طائلة على رعاية الخيول، وبلغ عددهم 2500 رأسوخصص منها 600 حصان لاشجع البدو والمماليك(). وكان لدى كل من ابناء سعود 100-150 حصانا، وكان عند ولي العهد عبدالله 300 حصان

كان امراء الدرعية يستولون على الخيول في الغزوات ويستلمونها بشكل هدايا و غرامات، ولا يتورعون حتى من ابتزازها. كتب بوركهارت يقول "الاعراب يشتكون من انه عندما يمتلك احد ما حصانا جيدا فان سعود يجد ضده تهمة ما بخرق القانون او بسوء السلوك لكي يبرر مصادرة الحصان"

و كانت أموال كثيرة تنفق على الضيافة التقليدية. ففي كل يوم يحل على سعود بضع مئات من الضيوفوكان سعود يخصص سنزيا 500 صاع من الرز والقمحان ضيوف سعود الكثيرين ام بيكونوا من الفقراء عادة. وكان سخاء الامير يعم الموسرين في الغالب. ثم ان اغذاء المقدم للضيوف يختلف، فالوجهاء يقدم لهم اللحم وارز ، والاقل منهم جاها يقدم لهم التمر والبرغل

وكان سعود يمتلك عددا كبيرا من العبيد. كتب ابن بشر يقول: "ومماليكه الذكور اكثر من خمسمائة مملوك"

و هكذا استغنى آل سعود وآل عبدالوهاب، فقد اور ابن بشر تقسيما للميزانية المحلية فقد كتب عن توزيع امير الدرعية لاموال الاحساء يقو:"والذي يحصل من بيت مال الاحساء يقسم ثلاثا، ثلث يدخره لثغوره وخراجا لاهلها والمرابطة فيها، وثلث خرجا لخيالته و رجاله ونوابه وما يخرجه لقصره وبيوت بنيه آل الشيخ وغيرهم في الدرعية، وثلث يباع بدراهم و تكون عند عماله لعطاياه وحوالاته، ويحصل بعد ذلك ثمانون الف ريال تظهر للدرعية".

كانت دولة بريطانيا العظمى تفكر منذ وقت طويل حول إبقاء الإمبراطورية وسيعة كبيرة كما هي عليها الآن ، من إشراق الشمس على بحارها حين تشرق وغروب الشمس في بحارها حين تغرب . فإن دولتنا كانت صغيرة بالنسبة إلى المستعمرات الكثيرة التي كنا نسيطر عليها في الهند والصين وفي الشرق الأوسط وغيرها . صحيح أننا لم نكن نسيطر سيطرة فعلية على أجزاء كبيرة من هذه البلاد لأنها كانت بيد أهاليها ، إلا أن سياستنا فيها كانت سياسة ناجحة وفعالة ، وكانت في طريق سقوطها بأيدينا كلية فكان اللازم علينا أن نفكر مرتين

مرة لأجل إبقاء السيطرة على ما تم السيطرة عليه فعلا .

ومرة لأجل ضم مالم تتم السيطرة عليه فعلا إلى ممتلكاتنا ومستعمراتنا .



وقد خصصت وزارة المستعمرات لكل قسم من اقسام هذه البلاد لجانا خاصة لأجل دراسة هذه المهمة ، وكنت أنا من حسن الحظ مورد ثقة الوزير منذ دخلنا هذه الوزارة ، وعهد إليّ بمهمة ( شركة الهند الشرقية ) التي كانت مهمتها في الظاهر تجارية بحتة ، وفي الباطن تعزيز سبل السيطرة على الهند ، وعلى طرقها الموصلة إلى هذه الأراضي الشاسعة الشبة القارة



وكانت الحكومة واثقة من الهند ، حيث القوميات المختلفة ، والأديان المتشتتة ، واللغات المتباينة ، والمصالح المتضاربة . كما كانت الحكومة واثقة من الصين حيث أن البوذية والكنفوشيوسية الغالبة على هذه البلاد لم تكونا يخشى من قيامهما ، لأنهما دينان ميّتان يهتمان في الجانب الروحي ، فلا صلة لهما بجانب الحياة . فكان من المستبعد أن يسرى الشعور بالوطنية في أهالي هاتين المنطقتين ، ولذلك لم يكن يقلق بال حكومة بريطانيا العظمى هاتان المنطقتان . ( نعم ) لم نكن غافلين عن إمكانية تطور المستقبل ، ولذا كنا نضع الخطط الطويلة الأمد لأجل سيطرة التفرقة والجهل والفقر وأحيانا المرض على هذه البلاد . وكنا لا نجد صعوبة في تغطية نوايانا بغطاء من المشتبهات النفسية لأهالي هذه البلاد براق في ظاهره متين في واقعه . فكنا بذلك نطبق المثل البوذي القديم دع المريض يشعر بحبه للدواء وأن كان مر المذاق



لكن الذي كان يقلق بالنا هى البلاد الإسلامية ، فإننا وأن كنا قد عقدنا مع الرجل المريض ( الامبراطورية العثمانية ) عدة من المعاهدات كلها كانت في صالحنا ، وكانت تقديرات خبراء وزارة المستعمرات أن الرجل المريض ( الامبراطورية العثمانية ) يلفظ نفسه في أقل من قرن . وكذلك كنا قد عقدنا مع حكومة الفرس – سرا - عدة معاهدات ، وكنا قد زرعنا الجواسيس و العملاء في هذين البلدين ، وكانت الرشوة و فساد الادارة وانشغال ملوكها بالنساء الحسناوات ، قد نخرت في جسم هذين البلدين ، إلا أننا لم نكن نثق بالنتائج ، وذلك لعدة أسباب أهمها



قوة الإسلام في نفوس أبنائه ، فإن الرجل المسلم يلقى قيادته إلى الإسلام بكل صلابة ، حتى أنك ترى الإسلام في نفس المسلم بمنزلة المسيحية في نفوس القساوسة والرهبان ، وتزهق نفوسهم ولا تخرج المسيحية منها . وكان المسلمون ( الشيعة ) في البلاد الفارسية أخطر ، حيث أنهم يرون المسيحية كفارا نجسين ، فإن المسيحي عند الشيعي بمنزلة القذارة المتعفنة في يد أحدنا حيث يصرف همته في إزالتها



وذات مرة سألت أحدهم : لماذا تنظرون إلى المسيحى بهذا المنظار ؟ قال : إن نبي الإسلام كان رجلا حكيما وأراد أن يطوق كل كافر بدائرة من الضغط الأدبي لكي يحس بالضيق والوحشة ليكون من أسباب هدايته إلى الله وإلى الدين الصحيح ، كما أن الحكومة إذا أحست من إنسان الخطر طوقته بدائرة من المقاطعة حتى يرجع إلى الطاعة والانقياد ، والنجاسة التي ذكرتها هى نجاسة معنوية لا مادية ظاهرية ، وهي ليست خاصة بالمسيحية بل تشمل كل كافر حتى المجوس الذين هم باريسيون من القديم هم نجس في منطق الإسلام

قلت له : حسنا ولكن لماذا المسيحيون نجس وهم يعتقدون بالله والرسالة ويوم الميعاد ؟ قال : لأمرين ( الأول ) أنهم ينكرون نبينا محمدا ، وهذا يعني أنهم يقولون أن محمدا كاذب ، ونحن في قبال هذا الاتهام نقول أنتم أيها المسيحيون نجس طبقا لقانون العقل الحاكم بأن من آذاك فلك أن تؤذية . (الثاني ) أنهم ينسبون إلى أنبياء الله أنسابا غير لائقة ، مثل أنهم يقولون أن المسيح كان يشرب الخمر

قلت له في دهشة : لا يقول المسيحيون هكذا . قال : أنت لا تعلم أنهم في ( الكتاب المقدس ) عندهم يقولون ذلك . فسكتُ وأنا واثق بأن الرجل كان كاذبا في الأمر الثاني ، وإن كان صادقا في الأمر الأول ، ولم أرد أن أطوّل معه النقاش لأني خشيت أن تثار حولي شبهة ، حيث كنت أنا في الزى الإسلامي وكنت أتجنب الزاوية الحادة دائما



إن الإسلام كان ذات يوم دين حياة وسيطرة ، ومن الصعب عليك أن تقول للسادة أنتم عبيد ، فأن نخوة السيادة تدفع بالإنسان إلى التعالي مهما كان في ضعف و انحطاط . ولم يكن بإمكاننا أن نزيف تاريخ الإسلام حتى نشعر المسلمين بأن السيادة التي حازوها كانت بفعل ظروف خاصة قد ولت إلى غير رجعة



لم نكن نأمن من تحرك الوعى في نفوس العثمانيين وحكام فارس بما يوجب فشل خططنا الرامية إلى السيطرة . صحيح أن الحكومتين قد بلغتا من الضعف مبلغا كبيرا كما ألمحنا إليه إلا أن وجود حكومة مركزية يواليها الناس و بيدها السيادة و المال و السلاح يجعل الإنسان غير آمن



كنا شديدي القلق من علماء المسلمين ، فعلماء الازهر ، وعلماء العراق ، وعلماء فارس كانوا أمنع سدا أمام آمالنا ، فأنهم كانوا في غاية الجهل في مبادىء الحياة العصرية ، وقد جعلوا نصب أعينهم الجنة التي وعدهم بها القرآن . فكانوا لا يتنازلون قدر شعرة عن مبادئهم ، وكان الشعب يتبعهم والسلطان يخشاهم خوف الفئران من الهرة . صحيح أن أهل السنة كانوا أقل اتباعا لعلمائهم ، فأنهم يقيمون الولاء بين السلطان و بين شيخ الإسلام . وأهل الشيعة كانوا أشد ولاء للعلماء لأنهم يخلصون الولاء للعالم فقط ، ولا يعيرون السلطان أهمية كافية ، إلا أن هذا الفرق لم يكن ليخفف شيئا من القلق الذي كان يساور وزارة المستعمرات بل كل حكام بريطانيا العظمى



وقد عقدنا المؤتمرات الكثيرة ، نلتمس الحلول الكافية لهذه المشاكل المقلقة ، لكننا في كل مرة لم نجد أمامنا إلا الطريق المسدود . وكانت التقارير التي تأتينا بانتظام من العملاء والجواسيس مخيبة للآمال ، كما كانت نتائج المؤتمرات كلها صفرا أو تحت الصفر . لكننا لم نكن ندع المجال لليأس فينا ، حيث عودنا أنفسنا النفس الطويل ، والصبر الا متناهى . وأذكر ذات مرة عقدنا مؤتمرا حضره الوزير بشخصه وأكبر القساوسة وعدد من الخبراء ، وكان عددنا جميعا عشرين شخصا ، وطال النقاش أكثر من ثلاث ساعات وأنتهينا بدون أية نتيجة ، إلا أن القس قال : لا تنزعجوا ، فأن المسيح لم يصل إلى الحكم إلا بعد ثلاثمائة سنة من الاضهاد والتشريد له ولأتباعه ، وعسى أن ينظر إلينا المسيح نظرة من ملكوته فيمنحنا إزالة الكفار عن مراكزهم ولو بعد ثلاثمائة سنة ، فعلينا أن نتسلح بالإيمان الراسخ والصبر الطويل وإتخاذ كافة الوسائل والسبل للسيطرة ونشر المسيحية في ربوع المحمديين ولو وصلنا إلى النتيجة بعد قرون ، فأن الآباء يزرعون للأبناء



وحتى أنه - ذات مرة - عُقد في الوزارة مؤتمر حضره ممثلون من كل من بريطانيا العظمى وفرنسا وروسيا وكان مؤتمرا في أعلى المستويات ، وكان الحاضرون لفيفا من الهيئات الدبلوماسية ورجال الدين ، وكان من حسن حظي أن حضرت المؤتمر لعلاقتي الوطيدة بالوزير ، وعرض المؤتمرون مشاكل المحمديين عرضا وافيا حيث ذكروا فيه سبل تمزيقهم وسلخهم عن عقيدتهم وأرجاعهم إلى حظيرة الإيمان كما رجعت إسبانيا إليها بعد قرون من غزو المحمديين البرابرة لها . لكن النتائج لم تكن بالمستوى المطلوب ، وقد كتبت أنا كل ما دار من نقاش في ذلك المؤتمر في كتابي - إلى ملكوت المسيح



أنه من الصعب أن تقلع جذور شجرة أمتدت إلى شرق الارض وغربها ، لكن الإنسان يجب عليه أن يذلل الصعاب مهما كان الثمن . إن المسيحية لم تأتي إلا لتنتشر ، وقد وعدنا بذلك السيد المسيح نفسه ، أما محمد فقد ساعده ظرف انحطاط العالمين الشرقى والغربي ، وظروف الانحطاط إذا ولّت فقد يذهب معه أيضا ما رافقه من ويلات . ومن حسن الظن أن الأمر قد انعكس فقد إنحط المحمديون وارتفعت بلاد المسيح ، فإنه الوقت لأن نطلب الثأر ونسترجع ما فقدناه طيلة قرون ، وهاهى دولة قوية عصرية هى بريطانيا العظمى تأخذ بزمام هذه المبادرة المباركة





أوفدتني وزارة المستعمرات عام (1710) إلى كل من مصر و العراق و طهران والحجاز والاستانة لأجمع المعلومات الكافية التي تعزز سبل تمزيقنا للمسلمين ، ونشر السيطرة على بلاد الإسلام . وبُعث في نفس الوقت تسعة آخرين من خيرة الموظفين لدى الوزارة ، ممن تكتمل فيهم الحيوية والنشاط والتحمس لسيطرة الحكومة على سائر أجزاء الامبراطورية ، وسائر بلاد المسلمين ، وقد زودتنا الوزارة بالمال الكافي ، والمعلومات اللازمة والخرائط الممكنة ، وأسماء الحكام العلماء والحكام ورؤساء القبائل ، ولم أنسى كلمة السكرتير حين ودعنا باسم السيد المسيح وقال : إن على نجاحكم يتوقف مستقبل بلادنا فابدوا ما عندكم من طاقات النجاح



فأبحرت أنا جهة الاستانة مركز الخلافة الإسلامية ، وكانت مهمتى مزدوجة. وحيث كان من المفروض أن أكمل تعليمى للغة التركية ، لغة المسلمين هناك ، فقد كنت تعلمت شيئا كثيرا عن ثلاث لغات في لندن ، اللغة التركية ولغة العرب ( لغة القرآن ) واللغة الفلهوية لغة أهل فارس . لكن تعلم اللغة شيء والسيطرة على اللغة حتى يتمكن الإنسان أن يتكلم مثل لغة أهل البلاد شيء آخر . فبينما لا يستغرق الأول إلا سنوات قلائل ، يستغرق الأمر الثاني أضعاف ذلك الوقت ، فإن المفروض أن أتعلم اللغة بكافة دقائقها حتى لا يثار حولي شبهة



ولكني لم أكن أقلق لهذه الجهة لأن المسلمين عندهم تسامح ورحابة صدر وحسن ظن كما علمهم نبيهم ، فالشبهة عندهم لا تكون كالشبهة عندنا . ومن طرف آخر فإن حكومة الأتراك لم تكن في المستوى الائق لكشف الجواسيس والعملاء ، فقد كانت حكومة آخذة في الضعف و الهزال مما يؤمن جانبنا



وبعد سفرة مضنية وصلت إلى استانة وسميت نفسى (محمدا ) وأخذت أحضر المسجد (مكان إجتماع المسلمين لعبادتهم ) وراقني النظام و النظافة والطاعة التي وجدتها عندهم ، وقلت في نفسى : لماذا نحارب نحن هؤلاء البشر ؟ ولماذا نعمل من أجل تمزيقهم وسلب نعمهم ؟ هل أوصانا المسيح بذلك ؟ لكني رجعت فورا واستنفرت من هذا التفكير الشيطاني ، وجددت العزم على أن أشرب إلى آخر الكأس



وقد التقيت هناك بعالم طاعن في السن أسمه ( أحمد أفندم ) وكان من طيب النفس ورحابة الصدر وصفاء الضمير وحب الخير ، ما لم أجده في أحسن رجال ديننا ، وكان الشيخ يحاول ليله ونهاره في أن يتشبّه بالنبي محمد ، فكان يجعله المثل الأعلى ، وكلما ذكره فاضت عيناه بالدموع . ومن حسن الحظ أنه لم يسألني - حتى مرة واحدة - عن أصلي ونسبي ، وإنما كان يخاطبني ( محمد أفندى ) ويعلمني ما كنت أسئله ويحن عليّ حنوا كبيرا لما عرف أني ضيف في بلادهم جئت لأن أعمل ، ولأجل أن أكون في ظل السلطان الذي يمثل النبي محمد ، فقد كانت هذه حجتى في البقاء في الاستانة



وكنت قد قلت للشيخ : أني شاب قد مات أبي وأمي وليس لي إخوة ، وتركوا لي شيء من المال ففكرت أن أكتسب وأن أتعلم القرآن والسنة ، فجئت إلى مركز الإسلام لأحصل على الدين والدنيا . فرحب بي الشيخ كثيرا وقال لي ما نصه – وقد كتبته بلفظه – إن الواجب أن نحترمك لعدة أسباب



لأنك مسلم والمسلمون أخوة .

ولأنك ضيف و قد قال رسول الله أكرموا الضيف .

ولأنك طالب علم والإسلام يؤكد على إكرام طالب العلم .

لأنك تريد الكسب و قد ورد نص بأن الكاسب حبيب الله .



وقد أعجبت أنا بهذه الأمور أيما إعجاب ، وقلت في نفسى يا ليت كانت المسيحية تعى مثل هذه الحقائق النيرة ، لكني تعجبت كيف أن الإسلام في هذه الرفعة شمله الضعف والانحطاط على أيدى هؤلاء الحكام المغرورين والعلماء الجهلة بالحياة



قلت للشيخ : إنني أريد أن أتعلم القرآن المبين ، فرحب الشيخ بالطلب وأخذ يعلمني من سورة الحمد ويفسر لي المعاني وقد كنت أجد مشقة في النطق ببعض ألفاظها و أحيانا كانت المشقة منتهاها . وأذكر أني لم أتعلم النطق بجملة ( وعلى أمم ممن معك ) إلا بعد تكرارها عشرات المرات في ظرف إسبوع ، حيث قال لي الشيخ اللازم عليك الإدغام . وكيفما كان فقد قرأت القرآن عنده في مدة سنتين كاملتين من أوله إلي آخره ، وكان إذا أراد تعليمى توضأ وضوء الصلاة وأمرني بالوضوء كما هو ونجلس جهة القبلة



والجدير بالذكر أن أذكر أن الوضوء عند المسلمين جملة من الاغتسال ، فأولا يغسلون الوجه ، وثانيا اليد اليمنى من الأصابع إلى المرفق ، وثالثا اليد اليسرى من الأصابع إلى المرفق ، ورابعا يمسحون الراس وخلف الأذنين والرقبة ، وخامسا يغسلون الرجلين



ويقولون : الأفضل أن يدير الشخص الماء في فمه ، وأن يسحب الماء إلى الأعلى في أنفه قبل البدء في الوضوء



وقد كنت أنزعج انزعاجا كبيرا من المسواك وهى عودة يدخلونها في أفواههم لأجل تنظيف الأسنان قبل الوضوء ، فقد كنت أعتقد أن هذه العودة تضر الأسنان و الفم ، وكانت أحيانا تجرح الفم ويخرج الدم منه ، لكني كنت مجبورا ، أن أفعل ذلك لأنها عندهم سنة مؤكدة أمر بها نبيهم محمد ، وهم يذكرون لها فضائل كثيرة



لقد كنت أيام إقامتى في ( الاستانة ) أنام عند خادم المسجد لقاء ما أعطيه من المال و كان إنسانا عصبي المزاج واسمه ( مروان أفندى ) وهو اسم أحد أصحاب الرسول ، وكان الخادم يعتز بهذا الاسم المبارك ، وكان يقول لى : إن رزقت ولدا سمه ( مروان ) لأنه من كبار الشخصيات المجاهدة في الإسلام



وكنت أتعشى هناك عند الخادم حيث كان يهيىء لى الطعام ، وأيام الجمعة وهى عيد المسلمين لم أكن أذهب إلى العمل ، أما سائر الأيام فقد كنت أذهب إلى نجار هناك أشتغل عنده لقاء أجر زهيد ، كان يدفعه لي أسبوعيا ، وحيث كان عملي في فترة الصباح فقط ، فقد كان يجرى لي نصف أجور عماله ، وكان اسم النجار (خالد ) ، وكان يثرثر في أوقات فراغه عن فضائل ( خالد بن الوليد ) الفاتح الإسلامي الذي صحب محمد النبي وأبلى في الإسلام بلاء حسنا ، لكنه كان يحز في نفسه – أي النجار - أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لما تولى الخلافة عزل خالد بن الوليد . وكان خالد صاحب المحل سيىء الأخلاق ، عصبي المزاج إلى أبعد حد ، وكان يطمئن مني اطمئنانا لم أدر سببه ، ولعله وثق بي حيث كنت مطيعا سماعا له ، لا أناقشه في شؤونه الدينية ولا في شؤون دكانه . وكان إذا خلا بي طلب مني أن يلوط بي ، وكان هذا العمل عندهم من أشد الممنوعات كما قال لى الشيخ أحمد ، إلا أن خالدا كان لا يهتم بالشريعة في باطن أمره ، وإن كان في ظاهر أمره ملتزما بالتظاهر عند رفاقه بها ، و كان يحضر صلاة الجمعة ، أما سائر الأيام لا أعلم هل كان يصلي أم لا ؟ لكني كنت أمتنع عن إعطائه رغبته ، وأظن أنه كان يعمل ذلك مع بعض آخر من عماله ، حيث كان أحد العاملين شابا جميلا من ( سيلانيك ) وكان يهوديا قد أسلم ، فكان يصحبه معه أحيانا إلى خلف المحل الذي كان مخزنا لأخشابه ، و يتظاهران أنهما يذهبان هناك لإصلاح المخزن ، لكني كنت أعلم أنهما يذهبان لقضاء الحاجة

( 1157 ـ 1233هـ / 1744 ـ 1818م )

وصف المؤرخون الحالة السياسية و الاجتماعية في الجزيرة العربية في أوائل القرن الثاني عشر الهجري ( الثامن عشر الميلادي ) بالتفكك و انعدام الأمن وكثرة الإمارات المتناثرة مما أوجد حالة من الفوضى وعدم الاستقرار السياسي إضافة إلى ضعف الوازع الديني بسبب انتشار البدع و الخرافات و مهدت هذه الحالة لعقد اللقاء التاريخي بين حاكم الدرعية وأميرها محمد بن سعود بن محمد بن مقرن وبين الإمام المجدد المصلح الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
حيث كان الإمام محمد بن سعود قد تولى إمارة الدرعية في 1139هـ / 1727 م بعد مقتل أميرها زيد بن مرخان بن وطبان ، و أسس إمارة قوية أصبحت فيما بعد مركزا لانطلاقة تأسيس الدولة السعودية الأولى
و كان اللقاء الذي تم في عام 1157هـ / 1744م إيذانا بقيام الدولة السعودية الأولى حيث تبايع أمير الدرعية محمد بن سعود و الشيخ محمد بن عبد الوهاب على العمل لتصحيح العقيدة ، و تطبيق الشريعة الإسلامية و تحقيق التوحيد ، و أن يكون الأمير محمد بن سعود إماما للمسلمين وذريته من بعده ، و هو ما عرف باتفاق الدرعية.
و لقد لفت ظهور الدولة السعودية الأولى و ازدهارها و اتساع نفوذها و قوتها نظر الدولة العثمانية التي فقدت الحرمين الشريفين فقررت العمل على القضاء على الدولة السعودية الأولى ـ فاتجهت إلى واليها في مصر محمد على باشا بعد فشل محاولاتها من خلال ولاتها في العراق و الشام ـ و أسندت إليه المهمة ، و جاءت أولى حملاته بقيادة أحمد طوسون بن محمد على باشا في عام 1226هـ / 1811م ـ و واجـه القوات السعودية بقيـادة الإمام عبدالله بن سعود في وادي الصفراء و انهزم الجيش المصري و رجع إلى ينبع.
و في جمادى الآخرة 1233هـ / أبريل 1818م حاصر إبراهيم باشا الدرعية ، و بعد عدد من المواجهات و المعارك بين جيوش إبراهيم باشا و قوات الدرعية ، و باستخدام المدافع تمكن إبراهيم باشا من هزيمة القوات السعودية بعد معارك كثيرة ، و قصف إبراهيم باشا الطريف ، و استسلم الإمام عبد الله بن سعود في 8 ذي القعدة 1233هـ / 1818م بعد حصار شديد دام ستة أشهر ، و بهذا انتهت الدولة السعودية الأولى التي امتد نفوذها إلى معظم أنحاء الجزيرة العربية مؤسسة بذلك أول دولة حديثة في منطقة الجزيرة العربية منذ صدور الإسلام. 

1240 ـ 1309هـ / 1824 ـ 1891م )
على الرغم من الانتصار العسكري الذي حققته قوات محمد على باشا على الدولة السعودية الأولى، فإنها لم تتمكن من القضاء على مقاومات الدولة السعودية، حيث ظل الأهالي في المنطقة على ولائهم لأسرة آل سعود وللدعوة السلفية، وتجلى هذا واضحا عندما علم أهالي نجد بنجاح الأمير مشارى بن سعود في الهرب من قوات إبراهيم باشا ووصوله إلى الوشم عام 1235هـ / 1820م، حيث لقي تأييدهم ولقي منهم كل عون ومساعدة وانضم إليه أهالي القصيم والزلفى وثرمداء، واتجه إلى الدرعية حيث بايعه أميرها محمد بن مشارى ابن معمر، الذي سرعان ما نقض البيعة، وتمكن من دخول الدرعية، وقبض على الأمير مشارى بن سعود وسلمه للحامية العثمانية، حيث توفى بالسجن في عنيزة عام 1236هـ 1820م.
عقب القبض على الأمير مشارى بن سعود فر الأمير تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود من الرياض التي كان أميرا عليها، وبدأ في الإعداد لتأسيس الدولة السعودية وبنائها من جديد على الأسس نفسها التي قامت عليها الدولة السعودية الأولى، وشهد عام 1238هـ 1822م استئناف الأمير تركي بن عبد الله إعادة تأسيس الدولة السعودية وجعل الرياض عاصمة لها ليعود الاستقرار إلى المنطقة مرة أخرى، حيث ابتدأ حكمه سنة 1240هـ 1824م عقب استسلام الحامية العثمانية المصرية بالرياض له. وفي عام 1249هـ / 1834م اغتيل الإمام تركي بن عبد الله بمؤامرة من ابن أختـه مشارى بن عبد الرحمن بن حسن بن مشارى وكان قبل ذلك قد نجح في الهروب من مصر حيث كان ضمن أفراد أسرة آل سعود الذين نقلوا إلى القاهرة مع القوات العثمانية المصرية بعد القضاء على الدولة السعودية الأولى وهدم الدرعية، ولم يستمر حكم الأمير مشارى سوى أربعين يوما، حيث استرد الحكم منه فيصل بن تركي بن عبد الله الذي بدأت فترة حكمه الأولى عام 1250هـ/ 1834م.
وفي عـام / 1252هـ/ 1836م وجه محمد على باشا حملة جـديد بقيـادة إسماعيل بك وخالد بن سعود بن عبد العزيز حيث دخلوا الرياض دون قتال وذلك بعد انسحاب الإمام فيصل حيث توجه إلى الخرج ثم الأحساء ونزل في الرقيقة ثم في قصر الكوت. وتولى خالد ابن سعود الحكم وتمكن بمساعدة القوات العثمانية المصرية من فرض سيطرته، ثم سار بالقوات التي أرسلها محمد على إلى جنوب نجد لإخضاعها إلا انهم هزموا وعادوا إلى الرياض.
واستمرت المناوشات بين القوات السعودية وقوات محمد على وتولى القائـد العسكري خور شيد باشا الذي جاء على رأس حملة من مصر قيادة قوات محمد على ضد قوات الإمام فيصل في الدلم، حيث انتصرت قوات محمد على وأسر الإمام فيصل وأرسل إلى مصر وانتهت بذلك فترة حكم الإمام فيصل الأولى في رمضان 1254هـ / 1838م.
وفي عام 1256هـ / 1840م وبموجب معاهدة لندن سحب محمد على قواته من الجزيرة العربية وبلاد الشام، فلم يتمكن خالد بن سعود من السيطرة على مقاليد الأمور، واستطاع عبد الله بن ثنيان بن إبراهيم بن ثنيان بن سعود بن محمد بن مقرن من الإمساك بزمام الأمور في الرياض ـ واستمر في منصبه حتى عام 1259هـ / 1843م وهوالعام الذي تمكن فيه الإمام فيصل بن تركي من الهروب من سجنه في مصر وبدخول الإمام فيصل إلى الرياض عام 1259هـ / 1834م بدأت فترة حكمه مرة ثانية، وتعد فترة حكم الإمام تركي وفترتا حكم ابنه الإمام فيصل الأولى والثانية مرحلة تكوين الدولة السعودية الثانية ثم نضجها وقد سارت على منهج الدولة السعودية الأولى وسياستها.
وفي 21 من شهر رجب عام 1282هـ / 11 من ديسمبر عام 1865م توفى الإمام فيصل بن تركي بن عبد الرحمن بن محمد بن سعود _ رحمه الله _ ولم يمض وقت طويل حتى عصفت الفتن الداخلية والمؤامرات الخارجية بالبلاد، فأحتل الأتراك العثمانيون منطقة الأحسـاء ( المنطقة الشرقية _ حاليا ) وشـددت بريطانيا قبضتها على مشيخات الخليـج في حين استغل محمد بن عبد الله بن رشيد _ الذي تولى إمارة حائل عام 1289هـ/ 1873م _ هذه الظروف وبدأ يخطط للاستيلاء على السلطة في نجد، وسار بجيشه ليحقق هذا الغرض، فقام الإمام عبد الرحمن الفيصل بالاستعداد لصد هجومه وقاد قواته متجهاً نحوالقصيم، ولكنه علم بهزيمة أهل القصيم في معركة المليداء عام 1308هـ/ 1890م، فعاد إلى الرياض، وتعد موقعة المليداء من المعارك الفاصلة في النزاع بين آل سعود وآل رشيد.
بعد عودة الإمام عبد الرحمن إلى الرياض خرج بأسرته إلى المنطقة الشرقية، ثم عاد إلى الرياض _ بعد أن كوّن جيشاً من أنصاره خرج به إلى المحمل ليصد به زحف ابن رشيد على الرياض فالتقى الجيشان قرب حريملاء في صفر عام 1309هـ / سبتمبر عام 1891م فهزم جيش الإمام عبد الرحمن وقتل عدد من رجاله، وواصل ابن رشيد زحفه على الرياض وأمر بهدم سورها وقصري حكامها القديم والجديد. وبهذا انتهى عصر الدولة السعودية الثانية. أما الإمام عبد الرحمن فبعد هزيمته لحق بأسرته في منطقة الأحساء ثم اتجه إلى قطر وكاتب الدولة العثمانية طالباً منها الإذن له بالإقامة في الكويت فوافقت، فسار إلى الكويت بأسرته عام 1310هـ / 1892م. 

في اليوم الخامس من شهر شوال عام 1319هـ الموافق الخامس عشر من شهر يناير 1902م تمكن الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود من استرداد الرياض والعودة بأسرته إليها لكي يبدأ صفحة جديدة من صفحات تاريخ الدولة السعودية، ويعد هذا الحدث التاريخي نقطة تحول كبيرة في تاريخ المنطقة نظرا لما أدى إليه من قيام دولة سعودية حديثة تمكنت من توحيد معظم أجزاء شبه الجزيرة العربية، وتحقيق إنجازات حضارية واسعة في شتى المجالات.
فعندما بادر الملك عبد العزيز بإعادة بناء الدولة السعودية ظهر ولاء المنطقة وسكانها لأسرة آل سعود التي تتمتع بتاريخ عريق وجذور قوية تضرب في عمق تاريخ المنطقة القديم والحديث.
وشهد يوم السابع عشر من شهر جمادى الأولى عام 1351هـ الموافق التاسع عشر من شهر سبتمبر عام 1932م صدور أمر ملكي أعلن فيه توحيد البلاد وتسميتها باسم ( المملكة العربية السعودية ) ابتداء من يوم الخميس 21جمادى الأولى عام 1351هـ / الموافق 23 سبتمبر 1932م ( الأول من الميزان ) وتوج هذا الإعلان جهود الملك عبد العزيز الرامية إلى توحيد البلاد وتأسيس دولة راسخة تقوم على تطبيق أحكام القران والسنة النبوية الشريفة وبهذا الإعلان تم تأسيس المملكة العربية السعودية التي أصبحت دولة عظيمة في رسالتها وإنجازاتها ومكانتها الإقليمية والدولية، وحـدد بعد ذلك الأول من الميزان الموافـق للثالث والعشرين من شهر سبتمبر ليصبح اليوم الوطني للمملكة.

وقت أضمحلال الدولة العثمانية بدات حركة اليقظة العربية الإسلامية في اتجاهين :الأول : اتجاه العودة للماضي " السلف " بالدعوة الوهابية التى أقامت الدولة السعودية الأولى ( 1745 ـ 1818 ). الأتحاه الثاني : هو اتجاه مناقض للأول تزعمته مصر فى عهد محمد علي، وهو التحديث أخذاً عن اوربا .
ـ واصطدم الأتجاهان ، ونجح الأتجاه التقدمي التحديثي " محمد علي " في تدمير الدولة السعودية عام 1818 . ثم قامت الدولة السعودية الثانية وسقطت بسبب صراع عائلي ، ثم استطاع عبدالعزيز " ابن سعود " في اقامة الدولة السعودية الراهنة " 1902 ـ 1932 ". وحتى لا تسقط دولته اهتم عبدالعزيز بنشر مذهبه الوهابي في مصر التي كانت تدين بالتصوف السني ، أي عقيدة التصوف في تقديس الأولياء ، مع الشريعة السنية في المعاملات . وجاءته الفرصة باحتلال الحجاز ومكة و السيطرة على البيت الحرام وفريضة الحج عامى 1924 : 1925 فعمل على نشر الوهابية بالاتصال بزعماء المسلمين، مع التركيز على الهند ومصر . وقد كانت الجمعية الشرعية ـ أقوى الجمعيات الدينية فى مصر ـ تدين بالتصوف ، فتسلل إليها رشيد رضا كبيرعملاء آل سعود وجعلوها وهابية متشددة ، ثم أنشأ عملاء عبدالعزيز آل سعود ( حامد الفقى ) جماعة أنصار السنة لنشر( السلفية ) بدلا من " الوهابية "الذي كان مكروها فى مصر.ثم أقام السعوديون منظمة " الشبان المسلمون " وبعدها بعام واحدد اختار رشيد رضا شاباً نابهاًهو حسن البنا من" الشبان المسلمين " وانشأ له تنظيم " الاخوان المسلمين " ليتفرغ للعمل السياسي بينما يتفرغ ".أنصار السنة " للعمل الدعوي ونشر الوهابية فى مصر تحت مسمى السّنة والسلفية .
ـ نجح حسن البنا خلال عشرين عاماً ( 1928 : 1949 ) في انشاء خمسين الف فرع للأخوان في مصر وفي انشاء التنظيم العالمي للأخوان المسلمين ، وانشاء الجهاز الخاص العسكرى ، كما نجح في اشعال ثورة الميثاق في اليمن . واشترك الأخوان المسلمون مع عبد الناصرفي انقلاب عام 1952. ثم حدث اختلاف بين عبدالناصر والأخوان ، وبعد حادث المنشية عصف بهم عبدالناصر فهرب معظمهم إلى وطنهم " الأم " السعودية في عهد الملك سعود بن عبدالعزيز . كان عبدالعزيز قد منع مسبقاً ان يكون للاخوان المسلمين فرع في أمارته او مملكته ، ولكن الظروف حتمت ان يقوم اولاده بحمايتهم واستضافتهم في المملكة .
ـ الأخوان المسلمون المصريون بخلفيتهم المصرية لم يتشربوا الحكم المطلق البدائي لآل سعود . فشتان بين مصر الليبرالية التي عاشوا فيها ( 1021 : 1952 ) والتخلف السعودي ، وشتان بين الحكم المطلق السعودي والحكم الدستوري لأسرة محمد علي ، وشتان بين حرية الفكر في مصر ، والاستعباد والاسترقاق الذى هو جوهر الحكم السعودى ، وليس مجرد مصادرة الرأي والفكر في السعودية ، وشتان بين مصر التي يتوالى عليها الحكام وتلك المملكة (السعودية )التي تملكها الأسرة ( السعودية )وتحتكر الثروة والسلطة.
أيقن الأخوان المسلمون داخل السعودية ان مصدرية الحكم لآل سعود هو في الوهابية ، وبالتالي لابد من شراكة في الحكم تتضمنهم باعتبارهم علماء الوهابية ومن (أهل الحل والعقد ) ، وهذا يناقض الأعتقاد السعودي بإن مصدرية الحكم لديهم هي في السيف الذي بنوا به ملكهم من الدولة السعودية الأولى إلى السعودية الراهنة. بدأ الأخوان المسلمون في الدعوة سراً إلى ما يعتقدونه ، فشب الخلاف بين السعوديين والأخوان وتطور هذا الخلاف ، الى أن أثمر جهد الأخوان عن قيام المعارضة السعودية بعد حرب الخليج . تلك المعارضة التي تزعمها محمد المسعري وسعد الفقيه في الخارج ، وقام عليها صفر الحوالي وسلمان العودة في الداخل ، والتي انجبت أسامة بن لادن مؤخراً .بسبب هذا الخلاف السياسي بين الأخوان والسعودية جاء التركيز السعودي على تدعيم أنصار السنة ( السلفية ) دون الأخوان ، فليس للسلفيين أو أنصار السنة أجندة سياسية .
ـ ومعروف ان السادات تحالف مع التيار السلفي بكل اطيافه السياسية والدعوية، وفي عصره أنبثقت تنظيمات مختلفه وأطياف متنوعة من الجهاد والجماعة الإسلامية وازدهرت حركات مختلفة ، وفي عصر مبارك تعرضت الأطياف السياسية منها للإضطهاد ( الأخوان ، الجماعة الإسلامية ، الجهاد ) بينما سيطر امن الدولة على الجسم الأكبر للدعوة الوهابية ، وهو الجمعيات السلفية .
وبالتمويل السعودي والدعم المصري تمدد وتشعب التيار السلفي الدعوى وانتشرت تنظيماته وتكاثرت مساجده بالآلاف ، وتسلل إلى الأزهر والتعليم والأعلام والنوادي .. وبتأثيرهم انتشر الحجاب والنقاب ، ووقع الأضطهاد على أهل القرآن لمجرد أنهم يواجهون الوهابية من داخل الإسلام ، بل وتفرغ التيار السلفي لمطاردة المفكرين العلمانيين بمحاكم التفتيش أو " الحسبة " ومطاردة الأقباط ، واستغلهم أمن الدولة في احداث القلاقل التي تبرر تمديد قوانين الطوارئس .
ـ وبتسلل امن الدولة إلى جسم الحركة السلفية امكن أنشاء تنظيمات مختلفة تعمل لصالح الأمن. بل نجح الامن في عقد صفقة مع زعماء المساجين من الجماعة الإسلامية والجهاد فيما يعرف بالمراجعة الفكرية وبها يتخلون عن " العنف " والعمل السياسي وطريق الاخوان ، ويتراجعون إلى المربع الأول أي الدعوة ، أي معسكر " أنصار السنة " أو السلفية ، ليكونوا احدى تنظيمات الحركة السلفية ، تعمل في خدمة امن الدولة وتنظيماتها السلفية السرية ، ومنها ما يتولى لأمن الدولة تنفيذ العمليات القذرة ، مثل تفجير كنيسة القديسين في الأسكندرية ،وتفجيرات شرم الشيخ في سيناء .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق